الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
أي هو لوم مكرر علي.وقيل: ضم الطاء وكسرها لغتان، وقد مضى في طه القول فيه. اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ أي ناداه ربه، فحذف، لان النداء قول، فكأنه، قال له ربه اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ. إِنَّهُ طَغى أي جاوز القدر في العصيان.وروى عن الحسن قال: كان فرعون علجا من همدان. وعن مجاهد قال: كان من أهل إصطخر. وعن الحسن أيضا قال: من أهل أصبهان، يقال له ذو ظفر، طول أربعة أشبار. {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى} أي تسلم فتطهر من الذنوب.وروى الضحاك عن ابن عباس قال: هل لك أن تشهد أن لا إله إلا الله. {وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ} أي وأرشدك إلى طاعة ربك {فَتَخْشى} أي تخافه وتتقيه. وقرأ نافع وابن كثير تَزَكَّى بتشديد الزاي، على إدغام التاء في الزاي لان أصلها تتزكى. الباقون: {تزكى} بتخفيف الزاي على معنى طرح التاء.وقال أبو عمرو: {تَزَكَّى} بالتشديد تتصدق بالصدقة، و{تزكي} يكون زكيا مؤمنا. وإنما دعا فرعون ليكون زكيا مؤمنا. قال: فلهذا اخترنا التخفيف.وقال صخر بن جويرية:لما بعث الله موسى إلى فرعون قال له: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إلى قوله وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى ولن يفعل، فقال: يا رب، وكيف أذهب إليه وقد علمت أنه لا يفعل؟ فأوحى الله إليه أن امض إلى ما أمرتك به، فإن في السماء أثنى عشر ألف ملك يطلبون علم القدر، فلم يبلغوه ولا يدركوه. {فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى} أي العلامة العظمى وهي المعجزة.وقيل: العصا.وقيل: اليد البيضاء تبرق كالشمس.وروى الضحاك عن ابن عباس: الآية الكبرى قال العصا. الحسن: يده وعصاه.وقيل: فلق البحر.وقيل: الآية: إشارة إلى جميع آياته ومعجزاته. فَكَذَّبَ أي كذب نبي الله موسى وَعَصى أي عصى ربه عز وجل. {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى} أي ولى مدبرا معرضا عن الايمان يَسْعى أي يعمل بالفساد في الأرض.وقيل: يعمل في نكاية موسى.وقيل: أَدْبَرَ يَسْعى هاربا من الحية. فَحَشَرَ أي جمع أصحابه ليمنعوه منها.وقيل: جمع جنوده للقتال والمحاربة، والسحرة للمعارضة.وقيل: حشر الناس للحضور. فَنادى أي قال لهم بصوت عال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} أي لا رب لكم فوقي. ويروى: إن إبليس تصور لفرعون في صورة الانس بمصر في الحمام، فأنكره فرعون، فقال له إبليس: ويحك! أما تعرفني؟ قال: لا. قال: وكيف وأنت خلقتني؟ الست القائل أنا ربكم الأعلى. ذكره الثعلبي في كتاب العرائس.وقال عطاء: كان صنع لهم أصناما صغارا وأمرهم بعبادتها، فقال أنا رب أصنامكم.وقيل: أراد القادة والسادة، هو ربهم، وأولئك هم أرباب السفلة.وقيل: في الكلام تقديم وتأخير فنادى فحشر لان النداء يكون قبل الحشر. {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى} أي نكال قوله: {ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وقوله بعد: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} [النازعات: 24] قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة. وكان بين الكلمتين أربعون سنة، قاله ابن عباس. والمعنى: أمهله في الأولى، ثم أخذه في الآخرة، فعذبه بكلمتيه.وقيل: نكال الأولى: هو أن أغرقه، ونكال الآخرة: العذاب في الآخرة. وقاله قتادة وغيره.وقال مجاهد: هو عذاب أول عمره وآخره.وقيل: الآخرة قوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى والأولى تكذيبه لموسى. عن قتادة أيضا.ونَكالَ منصوب على المصدر المؤكد في قول الزجاج، لان معنى أخذه الله: نكل الله به، فأخرج نكال مكان مصدر من معناه، لا من لفظه.وقيل: نصب بنزع حرف الصفة، أي فأخذه الله بنكال الآخرة، فلما نزع الخافض نصب.وقال الفراء: أي أخذه الله أخذا نكالا، أي للنكال. والنكال: اسم لما جعل نكالا للغير أي عقوبة له حتى يعتبر به. يقال: نكل فلان بفلان: إذا أثخنه عقوبة. والكلمة من الامتناع، ومنه النكول عن اليمين، والنكل القيد. وقد مضى في سورة المزمل والحمد لله. إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً أي اعتبارا وعظه. لِمَنْ يَخْشى أي يخاف الله عز وجل.
وقال الأعشى أيضا: يعني بغامرهم ليلهم، لأنه غمرهم بسواده. وأضاف الليل إلى السماء لان الليل يكون بغروب الشمس، والشمس مضاف إلى السماء، ويقال: نجوم الليل، لان ظهورها بالليل. {وَأَخْرَجَ ضُحاها} أي أبرز نهارها وضوءها وشمسها. وأضاف الضحا إلى السماء كما أضاف إليها الليل، لان فيها سبب الظلام والضياء وهو غروب الشمس وطلوعها. {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} أي بسطها. وهذا يشير إلى كون الأرض بعد السماء. وقد مضى القول فيه في أول البقرة عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} [البقرة: 29] مستوفى. والعرب تقول: دحوت الشيء أدحوه دحوا: إذا بسطته. ويقال لعش النعامة أدحي، لأنه مبسوط على وجه الأرض.وقال أمية بن أبي الصلت: وأنشد المبرد: وقيل: دحاها سواها، ومنه قول زيد بن عمرو: وعن ابن عباس: خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان، قبل أن يخلق الدنيا بألف عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت. وذكر بعض أهل العلم أن بَعْدَ في موضع {مع} كأنه قال: والأرض مع ذلك دحاها، كما قال تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13]. ومنه قولهم: أنت أحمق وأنت بعد هذا سيئ الخلق، قال الشاعر: أي مع ذلك لبيب.وقيل: بعد: بمعنى قبل، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] أي من قبل الفرقان، قال أبو خراش الهذلي: وزعموا أن خراشا نجا قبل عروة.وقيل: دَحاها: حرثها وشقها. قاله ابن زيد.وقيل: دحاها مهدها للاقوات. والمعنى متقارب. وقراءة العامة وَالْأَرْضَ بالنصب، أي دحا الأرض. وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون {والأرض} بالرفع، على الابتداء، لرجوع الهاء. ويقال: دحا يدحو دحوا ودحى يدحى دحيا، كقولهم: طغى يطغى ويطغو، وطغى يطغى، ومحا يمحو ويمحى، ولحى العود يلحى ويلحو، فمن قال: يدحو قال دحوت ومن قال يدحى قال دحيت. أَخْرَجَ مِنْها أي أخرج من الأرض ماءَها أي العيون المتفجرة بالماء. وَمَرْعاها أي النبات الذي يرعى.وقال القتبي: دل بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحب والتمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح، لان النار من العيدان والملح من الماء. {وَالْجِبالَ أَرْساها} قراءة العامة وَالْجِبالَ بالنصب، أي وأرسى الجبال أَرْساها يعني: أثبتها فيها أوتادا لها. وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون وعمرو بن عبيد ونصر بن عاصم {والجبال} بالرفع على الابتداء. ويقال: هلا أدخل حرف العطف على أَخْرَجَ فيقال: إنه حال بإضمار قد، كقوله تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]. مَتاعاً لَكُمْ أي منفعة لكم. وَلِأَنْعامِكُمْ من الإبل والبقر والغنم. ومَتاعاً نصب على المصدر من غير اللفظ، لان معنى أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها أمتع بذلك.وقيل: نصب بإسقاط حرف الصفة تقديره لتتمتعوا به متاعا.
{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى} أي ما عمل من خير أو شر. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ أي ظهرت. لِمَنْ يَرى قال ابن عباس: يكشف عنها فيراها تتلظى كل ذي بصر.وقيل: المراد الكافر لأنه الذي يرى النار بما فيها من أصناف العذاب.وقيل: يراها المؤمن ليعرف قدر النعمة ويصلي الكافر بالنار. وجواب فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ محذوف أي إذا جاءت الطامة دخل أهل النار النار واهل الجنة الجنة. وقرأ مالك بن دينار: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ}. عكرمة: وغيره: {لمن ترى} بالتاء، أي لمن تراه الجحيم، أو لمن تراه أنت يا محمد. والخطاب له عليه السلام، والمراد به الناس.
|